كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثُمَّ إنَّ الْعِلْمَ بِانْقِسَامِ الْوُجُودِ إلَى قَدِيمٍ وَمُحْدَثٍ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ عِلْمٌ ضَرُورِيٌّ فَالْقَادِحُ سوفسطائي. وَكَذَلِكَ الْعِلْمُ بِأَنَّ بَيْنَ الِاسْمَيْنِ قَدْرًا مُشْتَرَكًا عِلْمٌ ضَرُورِيٌّ. وَإِذَا قِيلَ: إنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا لَمْ يَحْتَجْ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَكُونَ أَهْلُ اللُّغَةِ قَدْ تَكَلَّمُوا بِاللَّفْظِ مُطْلَقًا فَعَبَّرُوا عَنْ الْمَعْنَى الْمُطْلَقِ الْمُشْتَرَكِ؛ فَإِنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي لَا تَكُونُ إلَّا مُضَافَةً إلَى غَيْرِهَا: كَالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالِاسْتِوَاءِ؛ بَلْ وَالْيَدُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَكُونُ إلَّا صِفَةً قَائِمَةً بِغَيْرِهِ أَوْ جِسْمًا قَائِمًا بِغَيْرِهِ بِحَيْثُ لَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ مُجَرَّدًا عَنْ مَحَلِّهِ. وَلَكِنَّ أَهْلَ النَّظَرِ لَمَّا أَرَادُوا تَجْرِيدَ الْمَعَانِي الْكُلِّيَّةِ الْمُطْلَقَةِ عَبَّرُوا عَنْهَا بِالْأَلْفَاظِ الْكُلِّيَّةِ الْمُطْلَقَةِ وَأَهْلُ اللُّغَةِ فِي ابْتِدَاءِ خِطَابِهِمْ يَقُولُونَ- مَثَلًا-: جَاءَ زَيْدٌ وَهَذَا وَجْهُ زَيْدٍ؛ وَيُشِيرُونَ إلَى مَا قَامَ بِهِ مِنْ الْمَجِيءِ وَالْوَجْهِ فَيَفْهَمُ الْمُخَاطَبُ ذَلِكَ.
ثُمَّ يَقُولُونَ تَارَةً أُخْرَى: جَاءَ عَمْرٌو وَرَأَيْت وَجْهَ عَمْرٍو وَجَاءَ الْفَرَسُ وَرَأَيْت وَجْهَ الْفَرَسِ فَيَفْهَمُ الْمُسْتَمِعُ أَنَّ بَيْنَ هَذِهِ قَدْرًا مُشْتَرَكًا وَقَدْرًا مُمَيَّزًا وَأَنَّ لِعَمْرٍو مَجِيئًا وَوَجْهًا نِسْبَتُهُ إلَيْهِ كَنِسْبَةِ مَجِيءِ زَيْدٍ وَوَجْهِهِ إلَيْهِ فَإِذَا عُلِمَ أَنَّ عَمْرًا مِثْلُ زَيْدٍ عُلِمَ أَنَّ مَجِيئَهُ مِثْلُ مَجِيئِهِ وَوَجْهَهُ مِثْلُ وَجْهِهِ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ الْفَرَسَ لَيْسَتْ مِثْلُ زَيْدٍ بَلْ تُشَابِهُهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ عُلِمَ أَنَّ مَجِيئَهَا وَوَجْهَهَا لَيْسَ مَجِيءَ زَيْدٍ وَوَجْهَهُ بَلْ تُشْبِهُهُ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ. وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ: جَاءَتْ الْمَلَائِكَةُ وَرَأَتْ الْأَنْبِيَاءُ وُجُوهَ الْمَلَائِكَةِ عُلِمَ أَنَّ لِلْمَلَائِكَةِ مَجِيئًا وَوُجُوهًا نِسْبَتُهَا إلَيْهَا كَنِسْبَةِ مَجِيءِ الْإِنْسَانِ وَوَجْهِهِ إلَيْهِ ثُمَّ مَعْرِفَتُهُ بِحَقِيقَةِ ذَلِكَ تَبَعُ مَعْرِفَتِهِ بِحَقِيقَةِ الْمَلَائِكَةِ؛ فَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ الْمَلَائِكَةَ: إلَّا مِنْ جِهَةِ الْجُمْلَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ كَيْفِيَّتَهُمْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجِيئِهِمْ وَوُجُوهِهِمْ لَا يَعْرِفُهَا إلَّا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَلَا يُتَصَوَّرُ كَيْفِيَّتُهَا. وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ: جَاءَتْ الْجِنُّ فَاللَّفْظُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ يَدُلُّ عَلَى مَعَانِيهَا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ بَلْ إذَا قِيلَ: حَقِيقَةُ الْمَلَكِ وَمَاهِيَّتُهُ لَيْسَتْ مِثْلَ حَقِيقَةِ الْجِنِّيِّ وَمَاهِيَّتِهِ كَانَ لَفْظُ الْحَقِيقَةِ وَالْمَاهِيَّةِ مُسْتَعْمَلًا فِيهِمَا عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ وَكَانَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُتَوَاطِئَةِ مَعَ أَنَّ الْمُسَمَّيَاتِ قَدْ صَرَّحَ فِيهَا بِنَفْيِ التَّمَاثُلِ.
وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ خَمْرُ الدُّنْيَا لَيْسَ كَمِثْلِ خَمْرِ الْآخِرَةِ وَلَا ذَهَبُهَا مِثْلُ ذَهَبِهَا وَلَا لَبَنُهَا مِثْلُ لَبَنِهَا وَلَا عَسَلُهَا مِثْلُ عَسَلِهَا كَانَ قَدْ صَرَّحَ فِي ذَلِكَ بِنَفْيِ التَّمَاثُلِ مَعَ أَنَّ الِاسْمَ مُسْتَعْمَلٌ فِيهَا عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ. وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ؛ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ الْقَائِلُ: هَذَا الْمَخْلُوقُ مَا هُوَ مِثْلُ هَذَا الْمَخْلُوقِ وَهَذَا الْحَيَوَانُ الَّذِي هُوَ النَّاطِقُ لَيْسَ مِثْلَ الْحَيَوَانِ الَّذِي هُوَ الصَّامِتُ أَوْ هَذَا اللَّوْنُ الَّذِي هُوَ الْأَبْيَضُ لَيْسَ مِثْلَ الْأَسْوَدِ أَوْ الْمَوْجُودُ الَّذِي هُوَ الْخَالِقُ لَيْسَ هُوَ مِثْلَ الْمَوْجُودِ الَّذِي هُوَ الْمَخْلُوقُ وَنَحْوُ ذَلِكَ كَانَتْ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ مُسْتَعْمَلَةً عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ فِي الْمُسَمَّيَيْنِ الَّذِينَ صَرَّحَ بِنَفْيِ التَّمَاثُلِ بَيْنَهُمَا فَالْأَسْمَاءُ الْمُتَوَاطِئَةُ إنَّمَا تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُسَمَّيَيْنِ قَدْرًا مُشْتَرَكًا وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّيَانِ مُخْتَلِفَيْنِ أَوْ مُتَضَادَّيْنِ.
فَمَنْ ظَنَّ أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ إذَا كَانَتْ حَقِيقَةً لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُمَاثِلًا لِلْمَخْلُوقِينَ وَأَنَّ صِفَاتِهِ مُمَاثِلَةٌ لِصِفَاتِهِمْ كَانَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ وَكَانَ أَوَّلُ كَلَامِهِ سَفْسَطَةً وَآخِرُهُ زَنْدَقَةً لِأَنَّهُ يَقْتَضِي نَفْيَ جَمِيعِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَهَذَا هُوَ غَايَةُ الزَّنْدَقَةِ وَالْإِلْحَادِ. وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ صِفَةٍ وَصِفَةٍ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي أَسْبَابِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ: كَانَ مُتَنَاقِضًا فِي قَوْلِهِ مُتَهَافِتًا فِي مَذْهَبِهِ مُشَابِهًا لِمَنْ آمَنَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَكَفَرَ بِبَعْضِ. وَإِذَا تَأَمَّلَ اللَّبِيبُ الْفَاضِلُ هَذِهِ الْأُمُورَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ فِي غَايَةِ الِاسْتِقَامَةِ وَالسَّدَادِ وَالصِّحَّةِ وَالِاطِّرَادِ وَأَنَّهُ مُقْتَضَى الْمَعْقُولِ الصَّرِيحِ وَالْمَنْقُولِ الصَّحِيحِ وَأَنَّ مَنْ خَالَفَهُ كَانَ مَعَ تَنَاقُضِ قَوْلِهِ الْمُخْتَلِفِ الَّذِي يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ خَارِجًا عَنْ مُوجَبِ الْعَقْلِ وَالسَّمْعِ مُخَالِفًا لِلْفِطْرَةِ وَالسَّمْعِ وَاَللَّهُ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا وَعَلَى سَائِرِ إخْوَانِنَا الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ وَيَجْمَعُ لَنَا وَلَهُمْ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَهَذَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا} فَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ مَنْ اتَّخَذَ إلَهًا جَسَدًا؛ والْجَسَدُ هُوَ الْجِسْمُ؛ فَيَكُونُ اللَّهُ قَدْ ذَمَّ مَنْ اتَّخَذَ إلَهًا هُوَ جِسْمٌ. وَإِثْبَاتُ هَذِهِ الصِّفَاتِ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ جِسْمًا وَهَذَا مُنْتَفٍ بِهَذَا الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ. فَهَذَا خُلَاصَةُ مَا يَقُولُهُ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَعْتَمِدُ فِي ذَلِكَ عَلَى الشَّرْعِ فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ هَذَا إذَا دَلَّ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ أَنْ يَكُونَ جَسَدًا؛ لَا عَلَى نَفْيِ أَنْ يَكُونَ جِسْمًا وَالْجِسْمُ فِي اصْطِلَاحِ هَؤُلَاءِ- نفاة الصِّفَاتِ- أَعَمُّ مِنْ الْجَسَدِ. فَإِنَّ الْجِسْمَ يَنْقَسِمُ عِنْدَهُمْ إلَى كَثِيفٍ وَلَطِيفٍ؛ بِخِلَافِ الْجَسَدِ. فَإِنْ أَرَدْت بِقَوْلِك الْجِسْمَ اللُّغَوِيَّ- وَهُوَ الَّذِي قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ إنَّهُ هُوَ الْجَسَدُ- قِيلَ لَك: لَا يَلْزَمُ مِنْ إثْبَاتِ الِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ أَنْ يَكُونَ جَسَدًا وَهُوَ الْجِسْمُ اللُّغَوِيُّ. فَإِنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْهَوَاءَ يَعْلُو عَلَى الْأَرْضِ وَلَيْسَ هُوَ بِجَسَدِ؛ وَالْجَسَدُ هُوَ الْجِسْمُ اللُّغَوِيُّ. فَقَوْلُ الْقَائِلِ: لَوْ كَانَ مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْشِ لَكَانَ جِسْمًا. وَالْجِسْمُ هُوَ الْجَسَدُ وَالْجَسَدُ مُنْتَفٍ بِالشَّرْعِ: كَلَامٌ مُلَبِّسٌ. فَإِنَّهُ إنْ عَنَى بِالْجِسْمِ الْجَسَدَ: كَانَتْ الْمُقَدِّمَةُ الْأَوْلَى مَمْنُوعَةً؛ فَإِنَّ عَاقِلًا لَا يَقُولُ إنَّهُ لَوْ كَانَ فَوْقَ الْعَرْشِ لَكَانَ جَسَدًا؛ وَلَا يَقُولُ عَاقِلٌ إنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ عِلْمٌ وَقُدْرَةٌ: لَكَانَ جَسَدًا وَلَا يَقُولُ عَاقِلٌ: إنَّهُ لَوْ كَانَ يَرَى وَيَتَكَلَّمُ لَكَانَ جَسَدًا وَبَدَنًا. فإن الْمَلَائِكَةَ لَهُمْ عِلْمٌ وَقُدْرَةٌ وَتَرَى وَتَتَكَلَّمُ وَكَذَلِكَ الْجِنُّ وَكَذَلِكَ الْهَوَاءُ يَعْلُو عَلَى غَيْرِهِ وَلَيْسَ بِجَسَدِ. وَإِنْ عَنَى بِالْجِسْمِ مَا يَعْنِيه أَهْلُ الْكَلَامِ؛ مِنْ أَنَّهُ الَّذِي يُشَارُ إلَيْهِ وَجَعَلُوا كُلَّ مَا يُشَارُ إلَيْهِ جِسْمًا وَكُلَّ مَا يُرَى جِسْمًا أَوْ كُلَّ مَا يُمْكِنُ أَنَّهُ يُرَى أَوْ يُوصَفُ بِالصِّفَاتِ فَهُوَ جِسْمٌ أَوْ كُلَّ مَا يَعْلُو عَلَى غَيْرِهِ وَيَكُونُ فَوْقَهُ فَهُوَ جِسْمٌ. فَيُقَالُ لَهُ: فَالْجَسَدُ وَالْجِسْمُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ الْكَلَامِيِّ لَيْسَ هُوَ جَسَدًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ؛ بَلْ هُوَ مُنْقَسِمٌ إلَى غَلِيظٍ وَرَقِيقٍ إلَى مَا هُوَ جَسَدٌ وَإِلَى مَا لَيْسَ بِجَسَدِ.
وَلِذَا يَقُولُ الْفُقَهَاءُ: النَّجَاسَةُ إنْ كَانَتْ مُتَجَسِّدَةً كَالْمَيْتَةِ فَحُكْمُهَا كَذَا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَجَسِّدَةٍ كَالْبَوْلِ فَحُكْمُهَا كَذَا. وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِجَسَدِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ لَا يَكُونُ جِسْمًا بِهَذَا الِاصْطِلَاحِ؛ لِأَنَّ الْجِسْمَ أَعَمُّ عِنْدَهُمْ مِنْ الْجَسَدِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْخَاصِّ نَفْيُ الْعَامِّ؛ كَمَا إذَا قُلْت لَيْسَ هُوَ بِإِنْسَانِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَيَوَانِ. فَلَفْظُ الْجِسْمِ فِيهِ اشْتِرَاكٌ بَيْنَ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ وَمَعْنَاهُ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْكَلَامِ؛ فَإِذَا كَانَ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ هُوَ مَعْنَى الْجَسَدِ- وَهَذَا مُنْتَفٍ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الدَّلِيلِ- بَطَلَ قَوْلُ مَنْ نَفَى الِاسْتِوَاءَ بِالذَّاتِ؛ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الصِّفَاتِ. بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْصُوفًا بِذَلِكَ: لَكَانَ جِسْمًا فَإِنَّ التَّلَازُمَ حِينَئِذٍ مُنْتَفٍ فَإِحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ بَاطِلَةٌ؛ إمَّا الْأُولَى وَإِمَّا الثَّانِيَةُ. وَنَظِيرُ هَذَا أَنْ يَقُولَ: لَوْ كَانَ لَهُ عِلْمٌ وَقُدْرَةٌ لَكَانَ مَحَلًّا لِلْأَعْرَاضِ وَمَا كَانَ مَحَلًّا لِلْأَعْرَاضِ فَهُوَ مَحَلُّ الْآفَاتِ وَالْعُيُوبِ فَلَا يَكُونُ قُدُّوسًا وَلَا سَلَامًا لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ قَالُوا: الْعَرَضُ بِالتَّحْرِيكِ مَا يَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَلَوْ جَازَ أَنْ تَقُومَ بِهِ هَذِهِ لَكَانَ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ مَعِيبًا نَاقِصًا وَهُوَ سُبْحَانَهُ مُقَدَّسٌ عَنْ ذَلِكَ؛ إذْ هُوَ السَّلَامُ الْقُدُّوسُ. فَيُقَالُ: لَفْظُ الْعَرَضِ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ مَا ذَكَرَ مِنْ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ وَبَيْنَ مَعْنَاهُ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْكَلَامِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ- عِنْدَ مَنْ يُسَمِّي الْعِلْمَ وَالْقُدْرَةَ مُطْلَقًا عَرَضًا- مَا قَامَ بِغَيْرِهِ كَالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْحَرَكَةِ. وَالسُّكُونِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَآخَرُونَ يَقُولُونَ: هُوَ مَا لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ. وَيَقُولُونَ: إنَّ صِفَاتِ الْخَالِقِ بَاقِيَةٌ بِخِلَافِ مَا يَقُومُ بِالْمَخْلُوقَاتِ مِنْ الصِّفَاتِ؛ فَإِنَّهَا لَا تَبْقَى زَمَانَيْنِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّهُ إذَا قَالَ لَوْ قَامَ بِهِ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ لَكَانَ عَرَضًا وَمَا قَامَ بِهِ الْعَرَضُ قَامَتْ بِهِ الْآفَاتُ كَلَامٌ فِيهِ تَلْبِيسٌ؛ فَإِنَّ إحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ بَاطِلَةٌ. فَإِنَّ لَفْظَ الْعَرَضِ إنْ فُسِّرَ بِالصِّفَةِ فَالْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ بَاطِلَةٌ؛ وَإِنْ فُسِّرَ بِمَا يَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ مِنْ الْمَرَضِ وَنَحْوِهِ فَالْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى بَاطِلَةٌ. وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: لَوْ كَانَ قَدْ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ لَكَانَ قَدْ أَحْدَثَ حَدَثًا وَقَامَتْ بِهِ الْحَوَادِثُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِوَاءَ فِعْلٌ حَادِثٌ- كَانَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ- فَلَوْ قَامَ بِهِ الِاسْتِوَاءُ لَقَامَتْ بِهِ الْحَوَادِثُ وَمَنْ قَامَتْ بِهِ الْحَوَادِثُ فَقَدْ أَحْدَثَ حَدَثًا وَاَللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا» وَلِقَوْلِهِ: «وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ». فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ: الْحَادِثُ فِي اللُّغَةِ مَا كَانَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ؛ فَمَا مِنْ فِعْلٍ يَفْعَلُهُ إلَّا وَقَدْ حَدَثَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ.
وَأَمَّا الْمُحْدَثَاتُ الَّتِي ذَكَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ الْمُحْدَثَاتُ فِي الدِّينِ وَهُوَ أَنْ يُحْدِثَ الرَّجُلُ بِدْعَةً فِي الدِّينِ لَمْ يَشْرَعْهَا اللَّهُ وَالْإِحْدَاثُ فِي الدِّينِ مَذْمُومٌ مِنْ الْعِبَادِ وَاَللَّهُ يُحْدِثُ مَا يَشَاءُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ. فَاللَّفْظُ الْمُشْتَبِهُ الْمُجْمَلُ إذَا خُصَّ فِي الِاسْتِدْلَالِ وَقَعَ فِيهِ الضَّلَالُ وَالْإِضْلَالُ. وَقَدْ قِيلَ إنَّ أَكْثَرَ اخْتِلَافِ الْعُقَلَاءِ مِنْ جِهَةِ اشْتِرَاكِ الْأَسْمَاءِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي بَيَانِ بُطْلَانِ مَا ذَكَرَ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ شَيْءٍ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ: لَا أَجْسَادَ الْآدَمِيِّينَ وَلَا أَرْوَاحَهُمْ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَنْ جِنْسِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِحَيْثُ تَكُونُ حَقِيقَتُهُ كَحَقِيقَتِهِ لَلَزِمَ أَنْ يَجُوزَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مَا يَجُوزُ عَلَى الْآخَرِ وَيَجِبُ لَهُ مَا يَجِبُ لَهُ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ وَهَذَا مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ الْقَدِيمُ الْوَاجِبُ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ؛ غَيْرَ قَدِيمٍ وَاجِبِ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ وَأَنْ يَكُونَ الْمَخْلُوقُ الَّذِي يَمْتَنِعُ غِنَاهُ غَنِيًّا يَمْتَنِعُ افْتِقَارُهُ إلَى الْخَالِقِ؛ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْمُتَنَاقِضَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى نَزَّهَ نَفْسَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ كُفُؤٌ أَوْ مِثْلٌ أَوْ سَمِيٌّ أَوْ نِدٌّ.
فَهَذِهِ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ وَالْعَقْلِيَّةُ يُعْلَمُ بِهَا تَنَزُّهُ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ أَجْسَادِ الْآدَمِيِّينَ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ؛ لَكِنَّ الْمُسْتَدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} اسْتَدَلَّ بِحُجَّةِ ضَعِيفَةٍ فَإِنَّ الْجَسَدَ وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّ الْجَسَدَ هُوَ الْبَدَنُ يُقَالُ مِنْهُ تَجَسَّدَ كَمَا يُقَالُ: مِنْ الْجِسْمِ تَجَسَّمَ وَالْجَسَدُ أَيْضًا الزَّعْفَرَانُ وَنَحْوُهُ مِنْ الصَّبْغِ وَهُوَ الدَّمُ أَيْضًا. كَمَا قَالَ النَّابِغَةُ:
وَمَا أُرِيقَ عَلَى الْأَصْنَامِ مِنْ جَسَدٍ

فَلَيْسَ الْمُرَاد بِالْجَسَدِ فِي الْقُرْآنِ لَا هَذَا وَلَا هَذَا فَلَيْسَ الْمُرَاد مِنْ الْعِجْلِ أَنَّ لَهُ بَدَنًا مِثْلُ بَدَنِ الْآدَمِيِّينَ وَلَا بَدَنًا كَأَبْدَانِ الْبَقَرِ فَإِنَّ الْعِجْلَ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَالْعَرَبُ تَقُولُ جَسِدَ بِهِ الدَّمُ يَجْسَدُ جَسَدًا إذَا لَصِقَ بِهِ فَهُوَ جَاسِدٌ وَجَسِدٌ. قَالَ الشَّاعِر:
سَاعِدٌ بِهِ جَسِدٌ مُوَرَّسُ ** مِنْ الدِّمَاءِ مَائِعٌ وَيَبِسُ

وَالْجَسَدُ الْأَحْمَرُ وَالْجَسَدُ مَا أُشْبِعَ صَبْغُهُ مِنْ الثِّيَابِ؛ لِكَمَالِ مَا لَصِقَ بِهِ مِنْ الصَّبْغِ فَاللَّفْظُ فِيهِ مَعْنَى التَّكَاثُفِ وَالتَّلَاصُقِ؛ وَلِهَذَا يَقُولُ الْفُقَهَاءُ نَجَاسَةٌ مُتَجَسِّدَةٌ وَغَيْرُ مُتَجَسِّدَةٍ وَهُوَ فِي الْقُرْآنِ يُرَادُ بِهِ الْجَسَدُ الْمُصْمَتُ الْمُتَلَاصِقُ الْمُتَكَاثِفُ أَوْ الَّذِي لَا حَيَاةَ فِيهِ. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَفْظَةَ الْجَسَدِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ. فَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} وَقَالَ: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} وَقَالَ تَعَالَى: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} كَأَنَّهُ عِجْلٌ مُصْمَتٌ لَا جَوْفَ لَهُ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا حَيَاةَ فِيهِ خَارَ خورة. وَلَمْ يَقُلْ عِجْلًا لَهُ جَسَدٌ لَهُ بَدَنٌ لَهُ جِسْمٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ عِجْلٍ لَهُ جَسَدٌ هُوَ بَدَنُهُ وَهُوَ جِسْمُهُ وَالْعِجْلُ الْمَعْرُوفُ جَسَدٌ فِيهِ رُوحٌ. وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ مَا أَخْرَجَهُ كَانَ جَسَدًا مُصْمَتًا لَا رُوحَ فِيهِ حَتَّى تَبَيَّنَ نَقْصُهُ وَأَنَّهُ كَانَ مَسْلُوبَ الْحَيَاةِ وَالْحَرَكَةِ. وَقَدْ رُوِيَ: أَنَّهُ إنَّمَا خَارَ خورة وَاحِدَةً وَقَدْ يُقَالُ: إنْ أُرِيدَ بِالْجَسَدِ الْمُصْمَتُ أَوْ الْغَلِيظُ وَنَحْوُهُ فَلِمَ قِيلَ إنَّ ذَلِكَ ذَكَرَ لِبَيَانِ نَقْصِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ؛ بَلْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ضَلُّوا بِهِ وَإِنَّمَا كَانَ النَّقْصُ مِنْ جِهَةِ {أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا} وَقَدْ يُقَالُ: إذَا كَانَ لَا حَيَاةَ فِيهِ فَالنَّقْصُ كَانَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ الْحَيَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ؛ لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ لَهُ بَدَنٌ أَوْ لَيْسَ لَهُ بَدَنٌ؛ فَالْآدَمِيُّ لَهُ بَدَنٌ. وَلَوْ أَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا كَسَائِرِ الْعُجُولِ أَوْ آدَمِيًّا كَامِلًا أَوْ فَرَسًا حَيًّا أَوْ جَمَلًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْحَيَوَانِ: لَكَانَ أَيْضًا لَهُ بَدَنٌ وَلَكِنَّ ذَلِكَ أُعْجُوبَةٌ عَظِيمَةٌ وَكَانَتْ الْفِتْنَةُ بِهِ أَشَدَّ؛ وَلَكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَيَّنَ أَنَّ الْمُخْرَجَ كَانَ مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ النَّقْصِ يُحَقِّقُ ذَلِكَ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا} فَلَمْ يَذْكُرْ فِيمَا عَابَهُ بِهِ كَوْنَهُ ذَا جَسَدٍ؛ وَلَكِنْ ذَكَرَ فِيمَا عَابَهُ بِهِ {أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا} وَلَوْ كَانَ مُجَرَّدَ كَوْنِهِ ذَا بَدَنٍ عَيْبًا وَنَقْصًا لَذَكَرَ ذَلِكَ. فَعُلِمَ أَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى نَقْصِ حُجَّةِ مَنْ يَحْتَجُّ بِهَا عَلَى أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ ذَا بَدَنٍ عَيْبًا وَنَقْصًا وَهَذِهِ الْحُجَّةُ نَظِيرُ احْتِجَاجِهِمْ بِالْأُفُولِ فَإِنَّهُمْ غَيَّرُوا مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ وَجَعَلُوهُ الْحَرَكَةَ فَظَنُّوا أَنَّ إبْرَاهِيمَ احْتَجَّ بِذَلِكَ عَلَى كَوْنِهِ لَيْسَ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَلَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرُوهُ: لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ ثُمَّ قَالَ: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا} وَقَالَ فِي السُّورَةِ الْأُخْرَى: {فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا} فَلَمْ يَقْتَصِرْ فِي وَصْفِهِ عَلَى مُجَرَّدِ كَوْنِهِ جَسَدًا. بَلْ وَصَفَهُ بِأَنَّ لَهُ خُوَارًا وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا. فَالْمُوجِبُ لِنَقْصِهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعَ الصِّفَاتِ أَوْ بَعْضَهَا أَوْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا؛ فَإِنْ كَانَ الْمَجْمُوعَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ نَقْصَهَا وَاحِدَةً نَقْصٌ وَإِنْ كَانَ بَعْضَهَا فَلَيْسَ كَوْنُهُ جَسَدًا بِأَوْلَى مِنْ كَوْنِهِ لَهُ خُوَارٌ. وَلَيْسَ هَذَا وَهَذَا بِأَوْلَى مِنْ كَوْنِهِ مَسْلُوبَ التَّكَلُّمِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى النَّفْعِ وَالضُّرِّ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا؛ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ إنَّمَا ضَلُّوا بِخُوَارِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَاَللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِعَدَمِ التَّكَلُّمِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى النَّفْعِ وَالضُّرِّ.